"مجىء جبريل ليعلم المسلمين أمر دينهم"
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
"مجىء جبريل ليعلم المسلمين أمر دينهم"
"مجىء جبريل ليعلم المسلمين أمر دينهم"
عَنْ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: " بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، إذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ. حَتَّى جَلَسَ إلَى النَّبِيِّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخْذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنْ الْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إنْ اسْتَطَعْت إلَيْهِ سَبِيلًا. قَالَ: صَدَقْت . فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ! قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِيمَانِ. قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ. قَالَ: صَدَقْت. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِحْسَانِ. قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّك تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاك. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ السَّاعَةِ. قَالَ: مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَاتِهَا؟ قَالَ: أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ. ثُمَّ انْطَلَقَ، فَلَبِثْنَا مَلِيًّا، ثُمَّ قَالَ: يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنْ السَّائِلُ؟. قُلْتْ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ - رقم:8 .
قال الفرطبيّ – رحمه الله - : هذا الحديث يصلح أن يقال له : أمُّ السنّة. لما تضمنّه من علوم السنّة.
هذا حديثٌ عظيمٌ جدّا يشتمل على شرح الدّين كلِّه, ولهذا قال النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في آخره : فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ. بعد أن شرح درجة الإسلام, ودرجة الإيمان ودرجة الإحسان, فجعل ذلك كلَّه دينا.
تعريف الإسلام
فأمّا الإسلام : فقد فسَّره النَّبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بأعمال الجوارح الظَّاهرةِ من القولِ والعملِ وأوَّلُ ذلك : شهادةُ أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمَّدا رسول الله, وهو عملُ اللسانِ, ثمَّ إقامُ الصلاةِ, وإيتاءُ الزّكاةِ, وصومُ رمضانَ, وحجُّ البيت من استطاع إليه سبيلا. قاله ابن رجب الحنبليّ في جامع العلوم والحِكَم.
قال مقيِّدُه عفا الله عنه – راجي فُتوح الرحمن - : قوله: (شهادةُ أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمَّدا رسول الله, وهو عملُ اللسانِ). لا يُرادُ منه القول المجرَّدُ عن الفهم الصَّحيحِ المُتقَدِّم لمعناها ولا تأخير العمل بلوازمها ومُقتضاها. بل حقيقة لفظ الشهادة سابقُ العلم بالمشهود به والتَّسليم إذعانا وطواعية لما دلّتَ عليه. ويشهدُ لهذا الفِطَرُ السَّليمةُ, والعُقولُ القويمةُ, والشَّريعةُ المستقيمةُ.
والرّواية التّي في الصححين تُزيلُ الغَبَشَ وتُزيحُ العَمَشَ فإليكها: ( ....قال - أي جبريل ُ عليه الصلاة والسّلامُ – يا رسول الله, ما الإسلام؟ قال : الإسلام أن تعبُد اللهَ لا تُشرك به شيئا... الحديث). فجعل عبادة الله ونفي الإشراك به مقام الشهادتين وهو كذلك لمن أبصر واستبصر.اهــــ
قال ابن رجب الحنبليّ في جامع العلوم والحِكَم صــ: 76 وما بعدها بتصرُّف:
مَن كمَّل الإتيان بمباني الإسلام الخمسِ, صار مسلما حقًّا, مع أنَّ مَن أقَرَّ بالشهادتين, صار مسلما حُكما, فإذا دخل في الإسلام بذلك, ألزم بالقيام ببقيَّة خصال الإسلام, ومَن تَرك الشهادتين, خرج من الإسلام.
قال مقيِّدُه عفا الله عنه – راجي فُتوح الرحمن - : قوله: (مَن أقَرَّ بالشهادتين, صار مسلما حُكما). يُقال في الإقرار عين ما يُقال في الشهادة سابقا, إذ الإقرار لا يكون إلّا عن سابق علمٍ وفهم ولاحِقِ امتثالٍ وعزم.
فإن ظهرت لك حقيقة القول والشهادة والإقرار التّي تنجي صاحبها من الكفر والنّفاق والنّار, وبان لك ما عليه غالب النّاس يومَنا حامَّتِهم وعامّتِهم, عوامًّا ومُعمَّمين فاحمد الله طرقي النّهار وزُلَفا من اللَّيل, أن حَباك واجتبَاك بالبصر والبصيرة ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم).
تعريف الإيمان
وأمّا الإيمان : فقد فسَّره النَّبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في هذا الحديث بالاعتقادات الباطنة, فقال : ( أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ.).
فإن قيل : فقد فَرَّق النَّبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في هذا الحديث بين الإسلام والإيمان , وجعل الأعمال كلّها من الإسلام, لا من الإيمان , والمشهور عن السّلف وأهل الحديث أنّ الإيمان : قول وعمل ونيّة , وأنّ الأعمال كلّها داخلة في مُسمّى الإيمان , وحكى الشّافعيّ على ذلك إجماعَ الصّحابة والتّابعين ومَن بعدهم ممّن أدركهم.
قيل: الأمرُ على ما ذَكَره , وقد دلَّ على دخول الأعمالِ في الإيمان :
قولُه تعالى : ( إنّما المؤمنون الذين إذا ذُكِر الله وَجِلَت قلوبهم وإذا تُلِيَت عليهم آياتُه زادتهم إيمانا وعلى ربِّهم يتوكّلون الذين يقيمون الصلاة وممّا رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقّا).
وقول ُالنَّبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم : ( الإيمان بِضعٌ وسبعون , أو بضع وستّون شُعبة , فأفضَلُها قولُ لا إله إلا الله , وأدناها إماطَةُ الأذى عن الطّريق , والحياءُ شُعبة من الإيمانِ.) رواه مسلم.
الفرق بين الإسلام والإيمان
فنصل من هذه النّصوص وغيرها إلى أنّه : إذا أُفردَ كلٌّ من الإسلام والإيمانِ بالذّكرِ فلا فرق بينهما حينئذٍ , وإن قُرِنَ بين الاسمين , كان بينهما فرقٌ.
والتّحقيق في الفرق بينهما : أنّ الإيمانَ هو تصديقُ القلبِ وإقرارُه ومعرفَتُه.
والإسلام : هو استسلام العبدِ لله وخضوعُهُ وانقيادُه له , وذلك يكون بالعمل, وهو الدّين , كما سمّى الله تعالى في كتابه الإسلام دينا , وفي حديث جبرل سمّى النَّبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم الإيمانَ والإسلامَ والإحسان دينا.
تعريف الإحسان
جاء ذكر الإحسان في القرآن في مواضعَ , تارةً مقرونا بالإيمان , وتارة مقرونا بالإسلامِ , وتارة مقرونا بالتّقوى , أو بالعمل.
فالمقرون بالإيمانِ كقوله تعالى : ( إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنّا لا نُضيعُ أجر من أحسن عملا ) الكهف 30.
والمقرون بالإسلام كقوله تعالى : ( ومن يُسلم وحهه لله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى). لقمان 22.
والمقرونُ بالتّقوى ( إنّ الله مع الذين اتّقوا والدين هم محسنون) النّحل 128.
وقد يُذكر مفردا كقوله تعالى : ( للدين أحسنوا الحسنى وزيادةُ).
وقد فسَّر النَّبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم الإحسانَ (أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّك تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاك.). إشارة منه إلى أنّ العبد يعبد الله تعالى على هذه الصفة, وهو استحضارُ قُربِه, وأنّه بين يديه كأنّه يراهُ , وذلك يوجب الخشية والخوفَ والهيبةَ والتّعظيم. كما جاء في رواية أبي هريرة : ( أن تخشى الله كأنّك تراه ).
ويوجب أيضا النّصح في العبادة , وبذلَ الجهدِ في تحسينها وإتمامها وإكمالِها.
وخَطب عروة بن ال.::[ مايلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد ]::.ر إلى ابن عمر ابنته وهما في الطّواف , وهما في الطّواف , فلم يُجبه , ثمّ لقيه بعد ذلك , فاعتذر إليه وقال : كنّا في الطّواف نتخايل الله بين أعيننا. أخرجه أبو نعيم.
وأمّا قول النَّبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم : ( فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاك) فهو إشارة منه إلى أنّ من شقَّ عليه أن يعبد الله كأنّه يراه , فليعبد الله على أنّ الله يراه ويطّلع عليه , فليستحيي من نظره إليه , كما قال بعض العارفين : اتّق الله أن يكون أهون النّاظرين إليك.
ذكرُ خبرِ الساعة وأماراتِها
قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : ( فَأَخْبِرْنِي عَنْ السَّاعَةِ. قَالَ: مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِل. الحديث... ).
يدلّ على أنَّ علم الساعة مُغَيَّبٌ على الخلق كلِّهم , وأنّ الله استأثر بعلمها.
ولها أمارات – أي علامات – تدلُّ على اقترابها وهي علامتين في هذا الحديث:
العلامة الأولى : ( أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا ). وفُسِّرت بمعان عدّة منها :
فتح البلاد وكثرة جلب الرقيق , فتكثر السراري ويكثر أولادهنّ , فتكون الأمّ ريقة لسيّدها , واولاده منه بمنزلته , فإنّ ولد السيّد بمنزلة السيّد , فيكون ولدها بمنزلة ربّها وسيّدها.
وقيل يكثر جلب الرّقيق , حتّى تُجلَبَ البنتُ فتُعتَقُ , ثمّ تُجلَبَ الأمُّ فتشتريها البنتُ وتستخدمها وهي جاهلةُ بأنّها أمُّها , وقد وقَع هذا في الإسلامِ.
وقيل معناه : أن تلد الإماءُ الملوك.
وقال وكيع : تلدُ العجمُ العربَ , والعربُ ملوك العجم وأربابٌ لهم.
العلامة الثانية : ( وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ).
فالعالة هم الفقراءُ كقوله تعالى: ( ووجدك عائلا فأغنى) الضحى 8.
والمُرادُ أنَّ أسافلَ النّاس يصيرون رؤساءَهم , وتكثر أموالُهُم حتّى يتباهون بطول البنيان وزخرفته وإتقانِه.
فإنّه إذا صار الحفاةُ العُراة رِعاء الشَّاءِ وهم أهل الجهل والجفاء رؤوسَ النّاسِ, وأصحاب الثّروة والمال, حتّى يتطاولوا في البنيان , فإنّه يفسد بذلك نظام الدّين والدّنيا.
قال مقيِّدُه عفا الله عنه – راجي فُتوح الرحمن - : لا ألزم بهذا الوصف من أهل هذا الزمان كافرهم وضعيفِ مُسلمهم ولا أشدَّ لزوما له من سلاطين الجزيرة لمن تأمّل ماضيهم وحاضرهم. فالهمّ النّجا النّجا.
روى البخاريّ في الأدب المفرد عن عمر رض الله عنه أنّه كتب : لا تُطيلوا بناءكم فإنّه شرُّ أيّامكم.
وروى أبضا عن حُرث بن السائب , عن الحسن : كنتُ أدخلُ بيوت أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في خلافة عثمان رضي الله عنه فأتناول سقفها بيدي.
فأين سقوفنا من سقوفهنّ وسقوفهم؟ وأين حُتوفنا من حُتوفهنّ وحتوفهم. فاللّهم سلّم سلّم.
عَنْ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: " بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، إذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ. حَتَّى جَلَسَ إلَى النَّبِيِّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخْذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنْ الْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إنْ اسْتَطَعْت إلَيْهِ سَبِيلًا. قَالَ: صَدَقْت . فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ! قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِيمَانِ. قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ. قَالَ: صَدَقْت. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِحْسَانِ. قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّك تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاك. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ السَّاعَةِ. قَالَ: مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَاتِهَا؟ قَالَ: أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ. ثُمَّ انْطَلَقَ، فَلَبِثْنَا مَلِيًّا، ثُمَّ قَالَ: يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنْ السَّائِلُ؟. قُلْتْ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ - رقم:8 .
قال الفرطبيّ – رحمه الله - : هذا الحديث يصلح أن يقال له : أمُّ السنّة. لما تضمنّه من علوم السنّة.
هذا حديثٌ عظيمٌ جدّا يشتمل على شرح الدّين كلِّه, ولهذا قال النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في آخره : فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ. بعد أن شرح درجة الإسلام, ودرجة الإيمان ودرجة الإحسان, فجعل ذلك كلَّه دينا.
تعريف الإسلام
فأمّا الإسلام : فقد فسَّره النَّبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بأعمال الجوارح الظَّاهرةِ من القولِ والعملِ وأوَّلُ ذلك : شهادةُ أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمَّدا رسول الله, وهو عملُ اللسانِ, ثمَّ إقامُ الصلاةِ, وإيتاءُ الزّكاةِ, وصومُ رمضانَ, وحجُّ البيت من استطاع إليه سبيلا. قاله ابن رجب الحنبليّ في جامع العلوم والحِكَم.
قال مقيِّدُه عفا الله عنه – راجي فُتوح الرحمن - : قوله: (شهادةُ أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمَّدا رسول الله, وهو عملُ اللسانِ). لا يُرادُ منه القول المجرَّدُ عن الفهم الصَّحيحِ المُتقَدِّم لمعناها ولا تأخير العمل بلوازمها ومُقتضاها. بل حقيقة لفظ الشهادة سابقُ العلم بالمشهود به والتَّسليم إذعانا وطواعية لما دلّتَ عليه. ويشهدُ لهذا الفِطَرُ السَّليمةُ, والعُقولُ القويمةُ, والشَّريعةُ المستقيمةُ.
والرّواية التّي في الصححين تُزيلُ الغَبَشَ وتُزيحُ العَمَشَ فإليكها: ( ....قال - أي جبريل ُ عليه الصلاة والسّلامُ – يا رسول الله, ما الإسلام؟ قال : الإسلام أن تعبُد اللهَ لا تُشرك به شيئا... الحديث). فجعل عبادة الله ونفي الإشراك به مقام الشهادتين وهو كذلك لمن أبصر واستبصر.اهــــ
قال ابن رجب الحنبليّ في جامع العلوم والحِكَم صــ: 76 وما بعدها بتصرُّف:
مَن كمَّل الإتيان بمباني الإسلام الخمسِ, صار مسلما حقًّا, مع أنَّ مَن أقَرَّ بالشهادتين, صار مسلما حُكما, فإذا دخل في الإسلام بذلك, ألزم بالقيام ببقيَّة خصال الإسلام, ومَن تَرك الشهادتين, خرج من الإسلام.
قال مقيِّدُه عفا الله عنه – راجي فُتوح الرحمن - : قوله: (مَن أقَرَّ بالشهادتين, صار مسلما حُكما). يُقال في الإقرار عين ما يُقال في الشهادة سابقا, إذ الإقرار لا يكون إلّا عن سابق علمٍ وفهم ولاحِقِ امتثالٍ وعزم.
فإن ظهرت لك حقيقة القول والشهادة والإقرار التّي تنجي صاحبها من الكفر والنّفاق والنّار, وبان لك ما عليه غالب النّاس يومَنا حامَّتِهم وعامّتِهم, عوامًّا ومُعمَّمين فاحمد الله طرقي النّهار وزُلَفا من اللَّيل, أن حَباك واجتبَاك بالبصر والبصيرة ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم).
تعريف الإيمان
وأمّا الإيمان : فقد فسَّره النَّبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في هذا الحديث بالاعتقادات الباطنة, فقال : ( أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ.).
فإن قيل : فقد فَرَّق النَّبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في هذا الحديث بين الإسلام والإيمان , وجعل الأعمال كلّها من الإسلام, لا من الإيمان , والمشهور عن السّلف وأهل الحديث أنّ الإيمان : قول وعمل ونيّة , وأنّ الأعمال كلّها داخلة في مُسمّى الإيمان , وحكى الشّافعيّ على ذلك إجماعَ الصّحابة والتّابعين ومَن بعدهم ممّن أدركهم.
قيل: الأمرُ على ما ذَكَره , وقد دلَّ على دخول الأعمالِ في الإيمان :
قولُه تعالى : ( إنّما المؤمنون الذين إذا ذُكِر الله وَجِلَت قلوبهم وإذا تُلِيَت عليهم آياتُه زادتهم إيمانا وعلى ربِّهم يتوكّلون الذين يقيمون الصلاة وممّا رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقّا).
وقول ُالنَّبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم : ( الإيمان بِضعٌ وسبعون , أو بضع وستّون شُعبة , فأفضَلُها قولُ لا إله إلا الله , وأدناها إماطَةُ الأذى عن الطّريق , والحياءُ شُعبة من الإيمانِ.) رواه مسلم.
الفرق بين الإسلام والإيمان
فنصل من هذه النّصوص وغيرها إلى أنّه : إذا أُفردَ كلٌّ من الإسلام والإيمانِ بالذّكرِ فلا فرق بينهما حينئذٍ , وإن قُرِنَ بين الاسمين , كان بينهما فرقٌ.
والتّحقيق في الفرق بينهما : أنّ الإيمانَ هو تصديقُ القلبِ وإقرارُه ومعرفَتُه.
والإسلام : هو استسلام العبدِ لله وخضوعُهُ وانقيادُه له , وذلك يكون بالعمل, وهو الدّين , كما سمّى الله تعالى في كتابه الإسلام دينا , وفي حديث جبرل سمّى النَّبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم الإيمانَ والإسلامَ والإحسان دينا.
تعريف الإحسان
جاء ذكر الإحسان في القرآن في مواضعَ , تارةً مقرونا بالإيمان , وتارة مقرونا بالإسلامِ , وتارة مقرونا بالتّقوى , أو بالعمل.
فالمقرون بالإيمانِ كقوله تعالى : ( إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنّا لا نُضيعُ أجر من أحسن عملا ) الكهف 30.
والمقرون بالإسلام كقوله تعالى : ( ومن يُسلم وحهه لله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى). لقمان 22.
والمقرونُ بالتّقوى ( إنّ الله مع الذين اتّقوا والدين هم محسنون) النّحل 128.
وقد يُذكر مفردا كقوله تعالى : ( للدين أحسنوا الحسنى وزيادةُ).
وقد فسَّر النَّبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم الإحسانَ (أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّك تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاك.). إشارة منه إلى أنّ العبد يعبد الله تعالى على هذه الصفة, وهو استحضارُ قُربِه, وأنّه بين يديه كأنّه يراهُ , وذلك يوجب الخشية والخوفَ والهيبةَ والتّعظيم. كما جاء في رواية أبي هريرة : ( أن تخشى الله كأنّك تراه ).
ويوجب أيضا النّصح في العبادة , وبذلَ الجهدِ في تحسينها وإتمامها وإكمالِها.
وخَطب عروة بن ال.::[ مايلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد ]::.ر إلى ابن عمر ابنته وهما في الطّواف , وهما في الطّواف , فلم يُجبه , ثمّ لقيه بعد ذلك , فاعتذر إليه وقال : كنّا في الطّواف نتخايل الله بين أعيننا. أخرجه أبو نعيم.
وأمّا قول النَّبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم : ( فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاك) فهو إشارة منه إلى أنّ من شقَّ عليه أن يعبد الله كأنّه يراه , فليعبد الله على أنّ الله يراه ويطّلع عليه , فليستحيي من نظره إليه , كما قال بعض العارفين : اتّق الله أن يكون أهون النّاظرين إليك.
ذكرُ خبرِ الساعة وأماراتِها
قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : ( فَأَخْبِرْنِي عَنْ السَّاعَةِ. قَالَ: مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِل. الحديث... ).
يدلّ على أنَّ علم الساعة مُغَيَّبٌ على الخلق كلِّهم , وأنّ الله استأثر بعلمها.
ولها أمارات – أي علامات – تدلُّ على اقترابها وهي علامتين في هذا الحديث:
العلامة الأولى : ( أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا ). وفُسِّرت بمعان عدّة منها :
فتح البلاد وكثرة جلب الرقيق , فتكثر السراري ويكثر أولادهنّ , فتكون الأمّ ريقة لسيّدها , واولاده منه بمنزلته , فإنّ ولد السيّد بمنزلة السيّد , فيكون ولدها بمنزلة ربّها وسيّدها.
وقيل يكثر جلب الرّقيق , حتّى تُجلَبَ البنتُ فتُعتَقُ , ثمّ تُجلَبَ الأمُّ فتشتريها البنتُ وتستخدمها وهي جاهلةُ بأنّها أمُّها , وقد وقَع هذا في الإسلامِ.
وقيل معناه : أن تلد الإماءُ الملوك.
وقال وكيع : تلدُ العجمُ العربَ , والعربُ ملوك العجم وأربابٌ لهم.
العلامة الثانية : ( وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ).
فالعالة هم الفقراءُ كقوله تعالى: ( ووجدك عائلا فأغنى) الضحى 8.
والمُرادُ أنَّ أسافلَ النّاس يصيرون رؤساءَهم , وتكثر أموالُهُم حتّى يتباهون بطول البنيان وزخرفته وإتقانِه.
فإنّه إذا صار الحفاةُ العُراة رِعاء الشَّاءِ وهم أهل الجهل والجفاء رؤوسَ النّاسِ, وأصحاب الثّروة والمال, حتّى يتطاولوا في البنيان , فإنّه يفسد بذلك نظام الدّين والدّنيا.
قال مقيِّدُه عفا الله عنه – راجي فُتوح الرحمن - : لا ألزم بهذا الوصف من أهل هذا الزمان كافرهم وضعيفِ مُسلمهم ولا أشدَّ لزوما له من سلاطين الجزيرة لمن تأمّل ماضيهم وحاضرهم. فالهمّ النّجا النّجا.
روى البخاريّ في الأدب المفرد عن عمر رض الله عنه أنّه كتب : لا تُطيلوا بناءكم فإنّه شرُّ أيّامكم.
وروى أبضا عن حُرث بن السائب , عن الحسن : كنتُ أدخلُ بيوت أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في خلافة عثمان رضي الله عنه فأتناول سقفها بيدي.
فأين سقوفنا من سقوفهنّ وسقوفهم؟ وأين حُتوفنا من حُتوفهنّ وحتوفهم. فاللّهم سلّم سلّم.
مساعد عمر- ( | مستوى صفر | )
-
♣ مشآرٍڪْآتِڪْ » : 37
♣ نقاط النشاط » * : 3507
السٌّمعَة : 0
♣ عّمرٍڪْ » : 26
♣ هوَآيًتِڪْ » :
مواضيع مماثلة
» قصة عجيبة المسلمين في غفلة
» منتدى المسلمين فى الجنة
» يا يمعشر المسلمين احذروا من برنامج ZoneAlarm
» تهنئه بحلول عيد الأضحى المبارك على كل المسلمين بالعالم و لكل أعضاء منتدى الإشهار
» منتدى ملوك التطوير يتقدم بالتهنئة بشهر رمضان لكل المسلمين و المسلمات بالعالم العربى
» منتدى المسلمين فى الجنة
» يا يمعشر المسلمين احذروا من برنامج ZoneAlarm
» تهنئه بحلول عيد الأضحى المبارك على كل المسلمين بالعالم و لكل أعضاء منتدى الإشهار
» منتدى ملوك التطوير يتقدم بالتهنئة بشهر رمضان لكل المسلمين و المسلمات بالعالم العربى
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى